الأحد، 12 يوليو 2009

اللاتكافؤ الإجتماعي للفرص المدرسية

الإعداد

مصطفى حمزة - محمد ركين
مقدمة : برغم الجهود المبذولة للعمل على تأمين تكافؤ الفرص الدراسية لجميع أفراد المجتمع بشكل متساو ٍ ، على أساس أنه حق لكل مواطن ، إلا أن هذه الجهود لم تفلح في القضاء على ظاهرة اللاتكافؤ الاجتماعي للفرص الدراسية في العالم المتقدم ، ولا التخفيف منها في دول العام الثالث ، وبشكل خاص في لبنان والعام العربي.
وقد ظهرت أكثر من محاولة لتفسير أسباب اللاتكافؤ الإجتماعي في الفرص الدراسية ، علما ً أن هذه المحاولات استندت إلى دراسات وإحصائيات ، تبين أهم مؤشرات اللاتكافؤ ، ألا وهو ظاهرة التّسرّب من المدرسة , والاصطفاء المدرسي . وقد تمحورت الدراسة التي بين أيدينا حول ثلاثة مقولات أو اتجاهات في عملية التفسير وهي :

v أولا ً : أن الحظوظ الدراسية غير متكافئة اجتماعيا ً :
حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الاصطفاء الدراسي يقوم على أساس التفاوت أو اللاتكافؤ بين الفئتين الاجتماعيتن – الاقتصاديتين الأكثر تباعدا ً ، وهما الأطر العليا والمهن الحرة من جهة ، والعمال والفلاحين والطبقات الفقيرة من جهة أخرى ، ويظهر هذا التفاوت في جميع مراحل التعليم الأساسي منها ، و الثانوي ، و حتى المرحلة الجامعية حيث يبدو التفاوت أكثر وضوحا ً .
هذا ويحظى أبناء الفئة الأولى بفرص دراسية أكثر من أبناء الفئة الثانية ، والإحصائيات في مختلف دول العالم تشهد بذلك ( وإن كانت هذه الإحصاءات نادرة في العالم العربي نتيجة حصر الاهتمام الحكومي بالإطار التنظيمي للعملية التعليمية من جهة , والضعف في مجال علم الاجتماع من جهة ثانية . ويتفرع عن هذا الاتجاه في التفسير مقولتان أساسيتان هما :
1. أن لاتكافؤ الفرص المدرسية يعود إلى الفئات الاجتماعية أكثر مما يعود إلى المدرسة :
ومعنى ذلك أن الطبقة او الوضع الاجتماعي وطبعا ً الاقتصادي للأسرة التي ينتمي إليها التلميذ ، يلعب دورا ً أساسيا ُ في مدى التقدم أو التعثر الدراسي ، وبالتالي الاستمرار حتى مراحل متقدمة أو التسرب مبكرا ً من المدرسة.

وفي مقابل هذه الفرضية يرفع البعض من أهمية دور المعلم وأثره في إنتاج هذا التفاوت , ويرى صاحب هذا الافتراض أن المعلمين , ومن خلال ردود أفعالهم تجاه التلاميذ يشاركون – عن وعيٍ أوعن غير وعي ٍ منهم – في عملية الاصطفاء الاجتماعي ، فهناك اعتقاد راسخ لدى الكثيرمن المعلمين بأن دور المدرسة مستقل وحيادي تجاه التلاميذ ، وأن الفوارق الفردية بينهم هي نتاج عناصر ذاتية تخصهم ، وبالتالي فهم لا يعيرون أية أهمية لهذه الفوارق في طرائق تعاملهم مع المادة التعليمية .

وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن المعلمين يهتمون – لا إراديا ً- أكثر بأبناء الطبقات العليا والوسطى ، كون هؤلاء تسمح لهم ظروفهم بالتواصل أكثر مع المدرسة والمعلمين والاستفادة من خبراتهم وتوجيهاتهم ، كذلك تظهر هذه الدراسات إلى أنه في المرحلة الابتدائية تزيد فرص النجاح كلما كان عدد التلاميذ في الصف الواحد أقل , وكذلك أذا ما كانت المدرسة تابعة لمدرسة متوسطة أو ثانوية , بالإضافة إلى تأثر هذه الفرص بكفاءة المعلمين .

ولكن هل يمكن فعلا ً رد هذا التفاوت إلى أداء المعلمين ونوعية التعليم ؟
يتبين من الدراسات في لبنان – وإن كانت نادرة – أنه لا يوجد فارق مهم بين المدرسة الرسمية و المدرسة الخاصة , وإن وجد فهو لمصحة التعليم الرسمي ( أقول : ربما كان هذا القول صحيحا ً في زمن إجراء الدراسة ، ولكن ليس الآن ) . وهذا يعني استبعاد الدور الحاسم لنوعية التعليم ، كون الفوارق كانت مترافقة مع تغير الفئة الاجتماعية وليس مع نوعية التعليم .

2. إن اللاتكافؤ يزداد حدة مع التقدم صعودا ً في السلم التعليمي.

توضح الإحصائيات أنه في المرحلة الابتدائية يظهر اللاتكافؤ من خلال معايير النجاح والرسوب ، ونسب أعمار التلاميذ في الصفوف تبعا ً للفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها ، ثم يزيد هذا التفاوت وضوحا ً في المرحلة الثانوية ، حيث يُرحّل ابناء الطبقات الشعبية باتجاه التخصصات المهنية بينما يستمر أبناء الطبقتين العليا والوسطى في التعليم الاكاديمي ، وفي المرحلة الجامعية يظهر اللاتكافؤ بأوضح صوره ، إن على مستوى النسب العددية للطلاب من كل فئة ، أو على مستوى الاختصاصات ، من حيث الصعوبة والسهولة ، أو من حيث إمكانية التفرغ لمتابعة الدراسة . وبحسب بعض الإحصائيات فإن تلميذا ً من ثلاثة في المرحلة الابتدائية ينتمي إلى الفئة الشعبية ، بينما في المرحلة الجامعية نجد طالبا ً واحدا ً من سبعة ينتمي إلى الفئة الشعبية .

وتشير دراسات أخرى إلى أن أكثر التلاميذ رسوبا ً هم أولئك الذين ينتمون إلى أُسَر كبيرة الحجم ، ومداخيل متدنية , ومنازل صغيرة ، وأبوين أميين . وهكذا نرى أن جميع الدراسات المعروضة سابقا ً تؤكد على الدور الحاسم للمستوى الإجتماعي-الإقتصادي في اللاتكافؤ الإجتماعي للفرص الدراسية .


v ثانيا ً : اللاتكافؤ في فرص التعليم ناتج عن العنصر الثقافي للنشأة :
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه إذا كان تصنيف الفئات الاجتماعية يقوم – من جملة أسس – على الدخل والمستوى الثقافي ، فإن الفروقات بين الأطفال المتساوين اقتصادياً سببها الاختلاف في المستوى الثقافي للأهل . ويميز هؤلاء مكونَين أساسيين للمستوى الثقافي هما :
1. الرأسمال الثقافي : وهو حصيلة الوضع الثقافي للأهل , مضافا ً إليه المقتنيات الثقافية المساعدة كالكتب والمراجع والوسائل ... وكذلك المستوى العلمي المتثل بالشهادات التي يحملها أفراد الأسرة أو بعضهم .

2. القيمة الإجتماعية المعطاة للثقافة : فقد لوحظ ان بعض التلاميذ يتركون المدرسة بالرغم من نجاحهم الدراسي ، بينما يتابع البعض برغم صعوبات التعلم عندهم ، وهذا الامر يعود إلى مدى تثمين الأهل للثقافة المدرسية , ولمردودات التعليم على مستوى المهنة وسوق العمل .

وعليه فإن نظرة الأهل ، وتطلعاتهم المستقبلية تلعب دورا ً حاسما ً في حث أولادهم على متابعة الدراسة أو عدمه ، وفي هذا إشارة إلى دور العوامل النفيسة في تفسير النجاح والرسوب المدرسي ، حيث يعكس الأهل آمالهم الذاتية على مستقبل أولادهم.

v ثالثا ً : المدرسة تكرّس اللاتكافؤ الاجتماعي من خلال إعادة إنتاجه .
وهذا الاتجاه يعتبر أنه إذا كان الاصطفاء الدراسي يتم بالاستناد إلى اللاتكافؤ الاجتماعي والاواليات الثقافية فإن المدرسة تقوم – من خلال حياديتها – بتقديم خدمات تربوية متفاوتة للتلاميذ ، وذلك عندما لا تراعي الفروقات الناتجة عن اختلاف الفئات الإجتماعية والأواليات الثقافية التي ينتمون إليها ، وبعبارة إخرىفهي تتصرف بمساواة مع أشخاص غير متساوين .
فالمعايير الموحدة لا تناسب جميع الطلاب ، والمدرسة غالبا ً ما تعتمد معيير تناسب أبناء الفئات العليا والمتوسطة ، دون مراعاة ما يناسب الفئات الشعبية , مما يحرم الكثيرين من أبناء هذه الأخيرة من متابعة الدراسة , وبالتالي تحكم عليهم بالعودة إلى الوضع الذي كانوا عليه في أُسرهم ، وهي بهذا الشكل تعيد إنتاج هذه الفئات من جديد . لذلك يقول "بورديو" و"باسرون" : إن تشريع الوضع الاجتماعي القائم ، هي الوظيفة الأكثر سترا ً من بين الوظائف الإيديولوجية للمدرسة.

v خاتمة وتقويم.
إن اللاتكافؤ الإجتماعي للفرص الدراسية ظاهرة اجتماعية منتشرة في كل مجتمعات العالم المعاصر ، ولها أسبابها التي قد تختلف من مجتمع إلى آخر ، إلا أن هناك حدا ً أدنى مشترك من الاسباب المنتجة لهذه الظاهرة بين جميع المجتمعات .

وبناءً عليه فإن من البساطة أن نردها إلى سبب حاسم دون غيره من الأسباب ، ولعل الاقرب إلى الصواب القول بأن جميع الأسباب المدرجة سابقا ً تساهم – ولو بنسب مختلفة – في إنتاج وتعزيز هذا التفاوت ، وإن كان الدور الاكبر يمكن أن يُعزى إلى الفوارق الإجتماعية-الإقتصادية ، كما تشير معظم الدراسات التي سبق ذكرها ، كما يؤيد هذا الترجيح تدني مستوى التعليم في الدول الفقيرة و المتخلفة ، حيث يعود السبب في ذلك إلى شح الإمكانات الإقتصادية بالدرجة الأولى ، وضعف الوسائل الحديثة ، وأنظمة المعلوماتية والانترنت التي تسماهم بإتاحة الفرص لمعظم أفراد المجتمع , وبالتالي تقلل من اللاتكافؤ في الفرص التعليمية ، وبالمقابل نجد أن اللاتكافؤ أقل في الدول الغنية والمتطورة علميا ً وتكنولوجيّا ً . وهذا يعني التقليل من أثر الرصيد الثقافي المكتسب من الأهل لأن هناك مصادر أخرى يمكن أن تعوضه ( الإعلام التربوي الموجه ، الانترنت ...) كذلك تقلص دور المدرسة الذي أصبح لايتعدى التوجيه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق